top of page

الاستخبارات في زمن التضليل: مراجعة لمقال "Spy and Tell" في Foreign Affairs



في عالم يتلاشى فيه الخط الفاصل بين الحرب والمعلومة، وبين الهجوم العسكري والحملات التضليلية، تزداد الحاجة إلى إعادة النظر في الدور الذي تلعبه أجهزة الاستخبارات. لم تعد السرية وحدها كافية لحماية الدول، بل أصبحت أحيانًا عبئًا في وجه حروب المعلومات الحديثة.

في هذا السياق، جاء مقال Spy and Tell الذي نُشر في مجلة Foreign Affairs، من تأليف David V. Gioe وMichael J. Morell، ليقلب المفاهيم التقليدية حول العمل الاستخباراتي. يدعو الكاتبان إلى نمط جديد من التفكير: أن تتحول بعض أدوات الاستخبارات إلى أذرع تواصل علني، بهدف التصدي المسبق للمعلومات المضللة، ودعم السردية الوطنية للحقيقة.


عندما تصبح الحقيقة سلاحًا

المنظومة الاستخباراتية في الدول نشأت على مبدأ "من يحتاج أن يعرف"، حيث كان الانكشاف الإعلامي يُعدّ خطرًا استراتيجياً. لكننا اليوم أمام مشهد عالمي جديد: تنتشر فيه الأخبار الزائفة بنفس سرعة انتشار الفيروسات، وتُبنى المواقف السياسية والاجتماعية بناءً على معلومات مغلوطة.

وفقًا للمقال، فإن مشاركة المعلومات الاستخباراتية الدقيقة - بشكل مدروس ومنهجي - أصبحت ضرورة، وليست مخاطرة. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو قرار الإدارة الأميركية بالإفصاح علنًا عن نوايا روسيا لغزو أوكرانيا في أوائل عام 2022. هذا التحرك غير المسبوق أربك موسكو، ورفع من جاهزية كييف، وعزز التماسك الدولي.

الحقيقة حين تُكشف في الوقت المناسب، تتحول من مجرد معلومة إلى أداة ردع وتحصين واستقطاب للرأي العام.


تحديات داخلية: الاستخبارات ليست ضد الإعلام، بل جزء منه

يعترف الكاتبان بأن أكبر التحديات لا تكمن في الجانب الفني أو السياسي، بل في الثقافة الداخلية لمؤسسات الاستخبارات. فالإفصاح العلني يتطلب تغييراً في العقيدة المهنية ذاتها: من الانعزال إلى التفاعل، من التحليل المكتوم إلى السرد العلني.

هذا التغيير قد يواجه مقاومة من جيل مهني إعتاد أن يرى في الإعلام تهديدًا، لا شريكًا استراتيجياً. لكن كما يشير المقال، فإن العالم لم يعد يتحمل الصمت في وجه التضليل، لأن خصوم الدول باتوا سبّاقين إلى السرد، ومتفوقين في السيطرة على المنصات الإعلامية المفتوحة.


مخاطر محسوبة ومكاسب استراتيجية

من الطبيعي أن يُثير هذا التوجه مخاوف حول تسريب المصادر أو تشويه الصورة إذا ما كانت المعلومات غير دقيقة. لكن الكاتبين يؤكدان أن الإفصاح لا يعني العشوائية، بل يرتكز على تقييم دقيق للمخاطر والفوائد.

بالمقابل، فإن الصمت قد يؤدي إلى فراغ معلوماتي تستغله الأنظمة المعادية، وتملؤه بالدعاية والكذب والتأثير على الوعي العام داخليًا وخارجيًا.


الخلاصة: الحاجة إلى استخبارات استباقية

مقال Spy and Tell يضع الاستخبارات أمام لحظة مراجعة تاريخية. فلم تعد مهمتها فقط جمع المعلومات في الخفاء، بل باتت مطالبة بخوض معركة علنية من أجل سرد الحقيقة، وضمان ألا تُختطف عقول الشعوب تحت ضغط التضليل المنظم في زمن أصبحت فيه المعارك تُخاض على منصات التواصل الإجتماعي قبل أن تُخاض على الأرض، تحتاج الدول إلى استخبارات تفكر بصوت عالٍ، وتفعل ذلك بذكاء، لا بتهور. فالحقيقة، حين تُروى بصدق وفي توقيتها الصحيح، قد تكون أقوى أدوات الردع في القرن الحادي والعشرين.


المرجع :المقال المشار إليه بعنوان Spy and Tell نُشر في مجلة Foreign Affairs (عدد مايو/يونيو 2024) بقلم David V. Gioe وMichael J. Morell، ويمكن الاطلاع عليه عبر الموقع الرسمي للمجلة على الرابط:foreignaffairs.com


コメント


bottom of page