الاستماع العميق في القيادة: من المهارة إلى الثقافة التنظيمية
- Khalid Almariee
- Jun 1
- 2 min read

في مشهد متكرر في كثير من المؤسسات، يقاطع المدير موظفه قبل أن يُكمل فكرته، ثم يقول مبتسمًا: "أعرف تمامًا ما ستقوله."هكذا، يُغلق بابٌ صغير كان يمكن أن يُفتح على نافذة ثقة.الاستماع ليس مهارة تكميلية. بل هو بنية تحتية خفية لكل علاقة ناجحة، وكل مشروع جماعي، وكل منظمة تتنفس بثقة.
ما هو الاستماع العميق؟ ومن أين نبدأ؟
قبل أن نتحدث عن مهارات أو تقنيات، يجب أن نُقرّ بحقيقة بسيطة ومؤلمة: أغلبنا لم يُربَّ على الإصغاء.في بيوتنا، كان الصوت الأعلى هو الأكثر حضورًا. في مدارسنا، كان الطالب الجيد هو "الذي لا يتكلم كثيرًا". في مؤسساتنا، كثيرًا ما يُكافأ من "يعرف كيف يتكلم"، لا من "يعرف متى يصمت".لذا، حين نتحدث عن "الاستماع العميق"، فنحن لا نتحدث فقط عن مهارة مهنية، بل عن مقاومة ثقافية متجذرة.
تعريف مختلف للاستماع:
"الاستماع هو تعليق الأنا مؤقتًا، لفتح مساحة حقيقية للآخر."
الاستماع الحقيقي لا يعني السكوت، بل يعني الحضور. لا يعني الفهم الحرفي، بل التقاط ما بين السطور. لا يعني الاستعداد للرد، بل التنازل عن الرد أحيانًا.
كيف ينشر القائد عدوى الاستماع؟
العدوى لا تبدأ بالمحاضرات ولا بالدورات التدريبية. بل تبدأ بالممارسة. القائد الذي يُصغي دون أن يُقاطع، دون أن "يعرف كل شيء"، يُربّي ثقافة صامتة لكنها مُعدية.
نموذج عملي: الاستماع الجاذب
استمع حيث لا يُتوقع منك أن تستمع.في المواقف الصدامية، لا ترد فورًا. اسأل:
"هل يمكنك أن تشرح لي ما الذي أزعجك تحديدًا؟ أريد أن أفهم، لا أن أرد."
مارس الاستماع الجسدي.اجلس بدون هاتف. لا تنظر للساعة. لا تُشغل نفسك بالرد. اجعل جسدك يقول: أنا هنا، بكامل حضوري.
اخلق طقوسًا للاستماع.
اجتماع شهري دون جدول أعمال، فقط للاستماع لقصص الناس.
بريد داخلي بعنوان: "قل ما لا يُقال"، يقرأه القائد دون حكم أو تعليق.
مبادرة "بدون قيود ": لقاءات بين الإداريين وموظفي الميدان.
كُن مرآة صامتة.أحيانًا، يكفي أن تقول:
"أفهم أن هذا يُثقل عليك."دون أن تُضيف حلًا. الحضور الصادق هو الحل.
كيف تُدرب نفسك على الاستماع؟
ليست المسألة تقنية، بل ممارسة يومية تُعيد تشكيل وعيك.
تمارين واقعية:
تمرين النيّة:قبل أي اجتماع، اسأل نفسك بصمت:
"هل أنا هنا لأفهم؟ أم لأثبت صوابي؟"هذه النية تحدد شكل اللقاء.
صيام الحديث:في أول 10 دقائق من كل اجتماع، لا تتكلم. فقط استمع.ستكتشف أن كثيرًا مما كنت تنوي قوله… لم يكن ضروريًا.
مذكرة الاستماع:بعد كل لقاء، لا تسجل ما قيل، بل اكتب:
ما الذي لم يُقال؟
متى شعرت أن المتحدث كان يهمس من خلف الكلام؟
متى قاومت الاستماع لأن الكلام لم يُعجبك؟
خاتمة: الاستماع كفعل قيادة لا يُرى
في بيئة تزدحم بالأصوات والتقارير والاجتماعات، يصبح الاستماع العميق فعلاً نادرًا.لكن القادة الذين يُصغون بصدق، لا يخلقون فقط بيئة أكثر أمانًا… بل يُعيدون تعريف المعنى نفسه داخل المؤسسة.
الاستماع هو بداية التغيير الحقيقي، لأنه الفعل الوحيد الذي يجعل الآخر يرى نفسه في مرآتك… ويصدق أنه موجود.
Comments