الذكاء الأصلي والسيادة الرقمية: فلسفة إنسانية لتحصين المستقبل التقني
- Khalid Almariee
- May 24
- 2 min read
بين شوماخر، والمسيري، وتحوّلات الذكاء الاصطناعي

مقدمة: التقنية حين تستدعي الفلسفة
نادرًا ما تكون التحولات التقنية الكبرى محايدة؛ فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد تطور في أدوات الحساب، بل لحظة فلسفية تختبر علاقة الإنسان بذاته، وبالسلطة، وبالآخر.في زمن تتصاعد فيه قدرات الخوارزميات، وتتشابك الحدود بين الطبيعي والاصطناعي، تبرز أسئلة من نوع جديد:هل يمكننا إنتاج ذكاء لا يُقصي الإنسان؟ وهل يمكن تحصين الذات حضاريًا دون الانغلاق؟
في هذا المقال، ندمج بين مقاربتين متكاملتين:
الأولى تتمثل في مفهوم "الذكاء الأصلي" كإطار فلسفي للذكاء الاصطناعي،
والثانية في "التحصين التقني" كأداة سيادية في عالم متحوّل.
نستحضر في ذلك رؤى المفكر الاقتصادي إرنست شوماخر، والمفكر الحضاري عبد الوهاب المسيري، لنرسم مسارًا بديلًا يُعيد الاعتبار للمعنى في زمن الأتمتة.
الذكاء الأصلي (Authentic Intelligence): المعنى قبل الأداء
ظهر مفهوم "الذكاء الأصلي" كمقترح فلسفي يعيد تعريف الذكاء الصناعي من منظور إنساني.هو ليس بديلًا عن الذكاء الاصطناعي، بل إعادة صياغة له ضمن إطار يتسق مع القيم، والثقافة، والهوية.
"أصلي" هنا لا تعني فقط "حقيقي" في مقابل "مصطنع"، بل تشير إلى ذكاء:
ينبع من اللغة والسياق لا من المحاكاة الفارغة.
يُصمم لتمكين الإنسان لا لاستعلاله.
يحتفظ بالكرامة كمعيار تصميم، لا فقط بالكفاءة.
هذا التصور مستمد من نقد شوماخر للنماذج التقنية المعقدة المنفصلة عن السياق، ومن رفض المسيري لاختزال الإنسان في سلوكيات قابلة للتوقع والتعديل.
في هذا الإطار، لا تكون التقنية مجرد أداة، بل امتدادًا لرسالة الإنسان في العالم.
التحصين التقني: السيادة ليست عزلة
إذا كان الذكاء الأصلي يعيد تعريف ما يجب أن تكون عليه التقنية، فإن "التحصين التقني" يعيد تعريف علاقتنا بها.لا بوصفه رد فعل، بل كفعل وعي حضاري يسعى إلى بناء القدرة المحلية، وحماية المعنى، دون الوقوع في فخ الانغلاق.
التحصينات التقنية تعني:
البنية الرقمية المستقلة (سحابات، مراكز بيانات، خوارزميات محلية)
تشريعات تحمي الخصوصية وتُفعّل السيادة
محتوى معرفي محلي قادر على إنتاج المعنى لا استهلاكه فقط
نماذج تقنية تراعي اللغة والثقافة والرمزية
هي ليست استجابة لمخاطر مستقبلية، بل مدخل لصناعة مستقبل غير قابل للاختراق القيمي.
شوماخر والمسيري: التقنية بوصفها سؤالًا أخلاقيًا
في خلفية هذا الطرح، تلوح رؤيتان فلسفيتان:
إرنست شوماخر، بدعوته إلى "التكنولوجيا المتوسطة"، قدّم مبكرًا تصورًا لتقنية بسيطة، قابلة للإنتاج محليًا، لا تُقصي الإنسان من دورة الإنتاج والمعنى.
عبد الوهاب المسيري، بنقده للحداثة المادية، كشف عن خطورة تحويل الإنسان إلى مجرد كائن وظيفي قابل للبرمجة، وهو ما يُحاكيه كثير من نماذج الذكاء الاصطناعي المعاصر.
الاثنان يتقاطعان في جوهر السؤال:
هل التقنية تعكس إنسانيتنا، أم تعيد تشكيلها على نحو يفرغها من المعنى؟
من Humain إلى المفهوم الأوسع
في هذا السياق، يكتسب إطلاق شركة Humain السعودية بُعدًا رمزيًا مهمًا.ليس فقط لأن الاسم ذاته (Humain) يستدعي مركزية الإنسان في التقنية، بل لأنه يأتي من بيئة ثقافية تمتلك أدوات لغوية وقيمية غنية.
مثل هذه المبادرات، حين تُقارب من داخل رؤية "الذكاء الأصلي"، يمكن أن تساهم في صياغة نماذج تقنية نابعة من السياق،قادرة على التفاعل عالميًا دون التنازل عن فرادتها.
خاتمة: التقنية بوصفها مرآة للذات
لسنا في صراع مع التقنية، بل في مفاوضة مع المعنى. كل خوارزمية نُنتجها أو نستوردها، تعكس تصورًا ما عن الإنسان، وعن العلاقة بين الذات والعالم.
"الذكاء الأصلي" و"التحصينات التقنية" ليسا خطابين متوازيين،بل مشروعًا فكريًا وأخلاقيًا متكاملًا لبناء مستقبل تُنتج فيه المجتمعات تقنياتها بلغتها،وتُصمم نماذجها بوحي من قيمها،وتتحصن لا بالخوف، بل بالوعي.
Kommentare