top of page

تكامل المشاريع الخدمية: من تجربة الرياض إلى نموذج وطني



شهدت المملكة في السنوات الأخيرة نقلة نوعية في تطوير مشاريع البنية التحتية، مدفوعة برؤية طموحة واستثمارات كبرى، إلا أن الواقع التنفيذي على الأرض لا يزال يواجه تحديات تنسيقية واضحة، تتجلى في تداخل الأعمال الميدانية وتكرار الحفر وتعثر الجدولة، مما يؤدي إلى هدر في الموارد، وتأخير في الإنجاز، وضعف في رضا المستفيدين.


أولًا: المشكلة التنسيقية وآثارها

تعمل الجهات الخدمية المختلفة (كهرباء، مياه، اتصالات، نقل، بلديات) غالبًا باستقلالية في تخطيط وتنفيذ المشاريع، ما يؤدي إلى:

  • تنفيذ متكرر لنفس الأعمال أو في نفس المواقع.

  • تعارض الأعمال الميدانية بين أكثر من جهة.

  • ضعف السلامة العامة وتشويه المشهد الحضري.

  • ارتفاع التكاليف الرأسمالية والتشغيلية.

  • صعوبة تقييم أولويات المشاريع على مستوى المدينة أو المنطقة.


ثانيًا: تجربة الرياض : نموذج ناجح للتكامل المؤسسي

قدّمت الهيئة الملكية لمدينة الرياض من خلال مركز تنسيق مشاريع البنية التحتية تجربة عملية ناجحة لمعالجة التداخل المؤسسي. حيث تمكن المركز من:

  • توحيد خريطة المشاريع لجميع الجهات عبر منصة إلكترونية.

  • مراجعة جداول التنفيذ والمواقع الفنية للتقاطع أو التعارض.

  • إصدار تصاريح مركزية لأعمال الحفر بعد التحقق من التنسيق.

  • عقد اجتماعات دورية فنية لتحديث الخطط وضمان مواءمتها.

  • توفير قاعدة بيانات محدثة للشبكات والمرافق تحت الأرض.

وقد أثبت هذا النموذج فعاليته في تقليل التعارضات وتحسين جودة الإنجاز ورفع كفاءة الأداء الحكومي.


ثالثًا: التوصية : تأسيس مكاتب تنسيق تحت إشراف هيئات التطوير الإقليمية

استنادًا إلى النموذج المطبّق في الرياض، ومع مراعاة الهيكل الإداري المعمول به في المملكة، يُوصى بتأسيس:

مكاتب أو مراكز لتنسيق مشاريع البنية التحتية في كل منطقة إدارية،على أن تكون تحت إشراف هيئة التطوير الإقليمية أو المكتب الاستراتيجي للتطوير المعتمد في المنطقة، لضمان المواءمة مع الخطط الحضرية والتنموية الشاملة.

المهام المقترحة للمكتب:

  1. تنسيق جميع مشاريع البنية التحتية الخدمية بين الجهات الحكومية داخل النطاق الجغرافي المحدد.

  2. إدارة منصة رقمية موحدة لاستقبال خطط المشاريع وجداول التنفيذ من جميع الجهات.

  3. إصدار التصاريح الرئيسية لأعمال الحفر والتقاطعات الخدمية، بناءً على جدولة تكاملية.

  4. تغذية هيئة كفاءة الإنفاق والمالية العامة بمؤشرات الأولويات، ومدى التداخل أو التكرار بين المشاريع.

  5. تحديث الخرائط الجغرافية للمرافق تحت الأرض باستخدام نظم معلومات مكانية (GIS) موحدة.

  6. متابعة تنفيذ الأعمال ميدانيًا وضمان الالتزام بالجدول الزمني المتكامل.

  7. إصدار تقارير دورية للمسؤولين وصناع القرار توضح مستوى التكامل، ونسب الإنجاز، والعوائق التنظيمية.


رابعًا: لماذا تحت إشراف هيئة التطوير أو المكتب الاستراتيجي؟

  • لأن هيئات التطوير الإقليمية هي الجهة المخولة بصياغة وتنفيذ الخطط الحضرية الشاملة.

  • وتملك الرؤية المكانية والزمنية المتكاملة لتنمية المدن والمناطق.

  • ولأن المكتب الاستراتيجي للتطوير يتمتع بصلاحيات تنسيقية عليا تتيح له فرض المواءمة بين الجهات.

  • إضافة إلى أن تبعية المكتب لجهة تخطيطية عليا تحميه من تضارب المصالح التنفيذية بين الجهات الخدمية المختلفة.


الأثر المتوقع

  • رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي من خلال الحد من التعارض والتكرار.

  • تحسين جودة تنفيذ البنية التحتية.

  • تعزيز السلامة العامة وتقليل تعطيل الخدمات.

  • تسريع الإنجاز ورفع رضا المستفيدين.

  • تمكين الجهات الرقابية من قياس الأداء والجدوى بشكل مؤسسي.


الخاتمة

تكامل المشاريع الخدمية لم يعد تحديًا فنيًا فحسب، بل قضية تنظيمية تتطلب نموذجًا مؤسسيًا واضحًا، مرتبطًا بالجهة المخولة بتطوير المدن وتنفيذ رؤيتها.إن تأسيس مكاتب تنسيقية تحت إشراف هيئات التطوير الإقليمية أو المكاتب الاستراتيجية للتطوير، هو خيار تنظيمي ناضج، ويشكّل امتدادًا طبيعيًا لتجربة ناجحة أثبتت جدواها في العاصمة، وقابلة للتطبيق على مستوى الوطن.


Comentários


bottom of page