حق المدينة ومعضلة التشوّه البصري: نحو مدن متكاملة في التخطيط والهوية
- Khalid Almariee
- May 26
- 2 min read

في النقاشات الحضرية الحديثة، يُطرح مصطلح "حق المدينة" بوصفه تعبيرًا عن تطلعات الإنسان في أن تكون المدينة فضاءً حيًا يعكس هويته، ويستوعب احتياجاته، لا أن تفرض عليه قالبًا جاهزًا. هذا المفهوم الذي برز مع المفكر الفرنسي هنري لوفيفر في ستينات القرن الماضي، لا يقتصر على السكن والخدمات، بل يشمل إعادة النظر في علاقة الإنسان بالمكان الذي يعيش فيه، من خلال تخطيط عمراني يراعي الثقافة المحلية، ويعزز الانتماء، ويحفّز التفاعل الإنساني والاجتماعي.
رؤية "حق المدينة" تزداد أهمية حين نربطها بتحديات المدن المعاصرة، ومنها التشوّه البصري، الذي كثيرًا ما يُختصر في اللافتات العشوائية أو تنافر الألوان، بينما تكمن جذوره في اختلالات أعمق، أبرزها انفصال النسيج العمراني، وطغيان السيارة على حركة الإنسان، وغياب هوية عمرانية واضحة، والتعامل مع التنمية كقائمة مشروعات معزولة، لا كرؤية متكاملة ترتبط بمكان وزمان وسياق.
عدد من المدن السعودية تعاني اليوم من آثار تراكمية لمشكلات التخطيط التي لم تُبنَ دائمًا على رؤية شمولية. التوسع العمراني تجاوز قدرات البنية التحتية، والحدود التنموية تتغير باستمرار، مما خلق فجوات في استخدامات الأراضي، وقلّص فاعلية الكثافة السكانية. كما أن غالبية الأحياء لم تُصمم لتكون صالحة للمشي الآمن أو تعزز الصحة العامة، بل لتخدم المركبات الخاصة. في الوقت نفسه، تعمل بعض الجهات الخدمية بشكل منفصل عن المخطط الحضري الوطني، ما يؤدي إلى مشاريع لا تتكامل مع السياق العمراني المحيط بها.
ويُعد غياب استراتيجيات البنية التحتية المرتبطة بخصوصية المكان أحد أبرز التحديات المؤثرة على تكامل المدن. فقد أدى الاعتماد على حلول جاهزة ومستوردة في التصميم والتنفيذ إلى تجاهل الاقتصاديات المحلية والمعارف المتجذرة في كل مدينة. ونتيجة لذلك، فقدت بعض المدن تدريجيًا إرثها الاقتصادي المرتبط بالحِرَف والصناعات التقليدية، أو بالعلاقات الاجتماعية التي كانت تترك أثرًا واضحًا على شكل المدينة وتوزيع أنشطتها. وبهذا، تراجعت مساهمة الاقتصاد المحلي في صياغة هوية المدينة، وتحوّل المشهد العمراني إلى نمط واحد، يصعب تمييزه من منطقة لأخرى.
هذه التحديات تسلط الضوء على أهمية فهم "حق المدينة" كمدخل يُذكّرنا بأن تطوير المدن لا يقتصر على التجميل الخارجي، بل يبدأ من قراءة الواقع المحلي بدقة، واحترام التنوع الطبيعي والثقافي والاجتماعي للمكان.
وقد أشار المهندس فهد الصالح في مقاله بجريدة الرياض (8 أغسطس 2019) إلى أن "التوجه الصحيح والأمثل للتطوير العمراني يتمثل في القدرة على التخطيط والتفكير لتقديم مكون عمراني جديد لديه القدرة على إحداث التغيير الإيجابي عمرانياً واقتصادياً واجتماعياً في حاضر ومستقبل المدن". وهذا التصور ينسجم مع منظومة متكاملة من ركائز تطوير المدن، تشمل: التخطيط العمراني، التعليم والثقافة، البنية التحتية، الاقتصاد المحلي، الاستدامة التنموية، جودة الحياة، ومشاركة المجتمع.
توصية ختامية: نحو نظام وطني للتخطيط المتكامل
في ضوء ما سبق، فإن التوصية العملية التي يمكن البناء عليها هي العمل على تطوير نظام وطني موحّد للتخطيط العمراني، يربط بين المشاريع القطاعية (كالصحة والتعليم والنقل) ضمن رؤية مكانية شاملة. ويكون هذا النظام مدعومًا ببيانات محدثة، ويأخذ في الحسبان العناصر الاستراتيجية للتنمية المحلية، كتحقيق الكثافة المتوازنة، وتنويع استخدامات الأراضي، وتحفيز الاقتصاديات النسبية، وتحقيق استدامة بيئية واجتماعية.
هذا النظام لا يجب أن يقتصر على الجهات التخطيطية فقط، بل يُفعّل أيضًا دور المجتمع المحلي، باعتباره عنصرًا فاعلًا لا متلقيًا. فالمدن التي يشارك سكانها في تشكيلها، تكون أكثر قدرة على الاستمرار، وأكثر تعبيرًا عن روح المكان.
ختامًا، تطوير المدن ليس مهمة هندسية فقط، بل مشروع إنساني يعكس كيف نرى أنفسنا، وكيف نرغب أن نعيش.
Comentários