كيف تمكن صناعة التشييد الحديثة توطين المهن؟
- Khalid Almariee
- May 22
- 3 min read

حين يتغير جوهر المهنة، يتغير مستقبلها
لم يعد السؤال في قطاع التشييد السعودي: "كم نبني؟"، بل "كيف نبني؟ وبمن نبني؟". في ظل مشاريع عملاقة مثل نيوم وروشن والبحر الأحمر، بات من الضروري الانتقال من أساليب تقليدية مرهقة، إلى تقنيات حديثة ترفع الكفاءة وتفتح المجال لتوطين حقيقي وفعّال للمهن.
في السابق، كان قطاع التشييد يُنظر إليه كبيئة طاردة للشباب السعودي: عمل بدني تحت الشمس، بدون مسار مهني واضح، وبدون احترام اجتماعي حقيقي. لكن حين تدخل التقنية، وتُنظَّم العملية، وتُفتح المسارات الفنية، يصبح البناء صناعة محترفة، لا مجرد وظيفة هامشية.
التشييد الذكي كفرصة استراتيجية لتوطين المهن
التحول إلى التشييد الذكي والصناعي يمثل فرصة ذهبية لإعادة تشكيل صورة العمل في قطاع البناء، ورفع جاذبيته للسعوديين، خاصة خريجي الكليات التقنية والمعاهد المهنية.
البيئة الصناعية المحكمة تخلق ظروف عمل إنسانية ومنظمة، بعيدًا عن العشوائية والمشقة.
التركيز على المهارات التقنية يجعل من "العامل" محترفًا في تشغيل المعدات والأنظمة الرقمية، لا مجرد عامل يدوي.
المسارات المهنية واضحة: من فني إلى مشرف إلى مدير إنتاج أو مدير مشروع.
الوظائف التقنية تُغلق الباب أمام التستر والتوظيف الشكلي، وتدفع نحو سعودة نوعية حقيقية.
التحول في طريقة البناء هو المفتاح لتحول نظرتنا إلى من يبنيه.
الوضع الحالي لصناعة التشييد في السعودية
رغم زخم المشاريع، لا تزال معظم الشركات تستخدم أساليب تقليدية تعتمد على العمالة الغير محترفه . المشاريع الكبرى بدأت فقط مؤخرًا باعتماد نماذج البناء المسبق ونظم الإدارة الرقمية، لكنها لم تصل بعد إلى غالبية السوق.
أمثلة من السوق: تطبيقات حقيقية بدأت
روشن والقدية: استخدام وحدات مسبقة الصنع.
دار الأركان: بناء باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.
نمذجة معلومات البناء (BIM): بدأت تفرضه الجهات المنظمة.
الطائرات المسيرة وتقنيات IoT: ترفع الرقابة والكفاءة في المواقع.
تحليل وضع السوق السعودي
التحديات واضحة:
نقص المهارات المحلية المؤهلة.
مقاومة التغيير في شركات المقاولات التقليدية.
ضعف المحتوى الصناعي المحلي.
لكن التوجه الحكومي والطلب المتزايد من المشاريع الكبرى يضعان السوق على مسار جديد، إذا ما دُعم بالتأهيل والتنظيم المناسب.
برامج التأهيل: البنية التحتية للتوطين التقني
أكاديمية البناء والمعهد الوطني للتدريب الصناعي (NITI) يقدمان برامج فنية متخصصة.
الهيئة السعودية للمقاولين تدعم التحول الرقمي وتأهيل المقاولين.
الجامعات التقنية بدأت تدريجيًا بدمج مساقات BIM والتشييد الحديث.
برامج عالمية مثل MSc in Industrialized Construction وBIM Certification توفر فرص تطوير نوعي.
تبني التقنية: بين المنظم واستجابة المستثمر
الجهات المنظمة تفرض أكواد جديدة تدريجيا وتربط الدعم بالالتزام بالتقنية.
المطورون الكبار بدأوا بالفعل في استخدام التشييد الذكي.
المستثمرون الصغار والمتوسطون بحاجة إلى دعم تمويلي وتحفيزي للانخراط في هذا التحول.
أفضل الممارسات العالمية القابلة للتوطين
البناء خارج الموقع (Sweden, Singapore).
التوأم الرقمي لإدارة المنشآت (Germany, UK).
نماذج التسليم المتكامل (USA, Canada).
توحيد المكونات والمقاسات (Japan).
توطين هذه الممارسات يتطلب إرادة تنظيمية، وحاضنات صناعية، وثقافة مهنية متجددة.
التحليل الاقتصادي
زمن أقصر = استثمار أسرع.
هدر أقل = تكلفة أقل.
كفاءة تشغيل أعلى = أرباح أطول مدى.
صناعة وطنية ناشئة = وظائف وابتكار محلي.
التشييد الحديث ليس رفاهية تقنية، بل رافعة اقتصادية استراتيجية.
حل استراتيجي: التصنيع أولًا… المقاول سيتبع لاحقًا
أكبر عقبة أمام تحول قطاع المقاولات إلى نموذج التشييد الحديث، ليست في القناعة، بل في القدرة. كثير من المقاولين لا يملكون التمويل ولا المعرفة لبناء مصانع أو تطوير خطوط إنتاج مسبقة الصنع.
لذلك، يُعد إنشاء مصانع مركزية كبرى (Construction Hubs) بدعم من صندوق الاستثمارات العامة (PIF) في المناطق ذات المشاريع الكبرى، خطوة استراتيجية لتسريع التحول. هذه المصانع تُنتج مكونات بناء جاهزة وتتيحها للمقاولين، مما:
يخفف عبء الاستثمار الأولي عليهم.
يسرّع تبني أساليب التشييد الصناعي.
يخلق سلسلة قيمة واضحة تُحفّز منظومة البناء والتصنيع والخدمات المساندة.
مشاريع مثل نيوم وروشن تعكس نضج البيئة ووضوح الفرصة لتبنيه رسميًا كمسار استراتيجي وطني.
الخاتمة: بناء جديد لصناعة التشييد… يبدأ من الإنسان
إذا أردنا أن نبني مدنًا ذكية، فعلينا أن نبني أولًا عقلية ذكية في التشييد. التحول من بيئة عمل طاردة إلى بيئة مهنية جاذبة يبدأ حين نجعل العامل السعودي فخورًا بما يصنع، التشييد الحديث ليس فقط ثورة تقنية، بل ثورة في احترام المهنة، واحترام من يمتهنها.
Comments