top of page

ما بعد الاستشارات: نحو عقل مؤسسي استراتيجي



في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها منطقتنا، ومع ما تطرحه رؤية 2030 وغيرها من الخطط الوطنية الطموحة، برزت صناعة الاستشارات كشريك رئيسي – بل مهيمن – في عملية التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي.لكن السؤال الجوهري الذي نغفله غالبًا هو:إلى متى؟ وهل هذا المسار قابل للاستدامة؟

استثمار أم استبدال؟

صحيح أن الاستعانة بالخبرات الخارجية يمكن أن يثري المعرفة، ويوفر زاوية محايدة في التشخيص والتخطيط.لكن عندما تتحول الاستشارات إلى بديل دائم عن بناء القدرات الداخلية، فإننا لا نستثمر، بل نستبدل العقل المؤسسي بعقل مستعار، ونغلف ذلك تحت شعارات "الحياد" أو "أفضل الممارسات".

إن استمرار التوسع في صناعة الاستشارات، سواء عبر شركات دولية أو محلية، يعكس في كثير من الأحيان عجزًا مؤسسيًا عن خلق أذرع استراتيجية فاعلة داخل الكيانات الحكومية والخاصة، ويؤدي إلى إلغاء غير معلن للمسؤولية، عبر نقل القرار (ولو جزئيًا) إلى جهة خارجية لا تتحمل تبعات التنفيذ.


هل نُعيد تعريف دور "الاستشاري"؟

في ظل هذه المعطيات، لا بد من إعادة التفكير جذريًا في تعريف وظيفة "الاستشاري":

  • لماذا لا يكون جزءًا من الهيكل المؤسسي، لا كموظف تنفيذي بل كـ"مفكر استراتيجي داخلي"؟

  • لماذا لا نُهندس الوظائف لتُدمج العقلية الاستشارية في قلب المنظومة، بدلًا من استيرادها عند كل منعطف؟


برامج التدريب لا تكفي

محاولات التوطين الحالية - وإن كانت ضرورية - لا تزال تركز على الشكل لا الجوهر.العقل الاستشاري لا يُبنى عبر الدورات التدريبية، بل عبر إعادة هندسة الثقافة المؤسسية بالكامل، بحيث تصبح القدرات التحليلية، والقدرة على التفكير النقدي، والاستشراف الاستراتيجي، جزءًا أصيلًا من هوية الجهة، لا شيئًا يتم استدعاؤه خارجيًا.


لماذا نفترض أن الاستشارات باقية بهذا الحجم أصلًا؟

الحديث عن التوطين مهم، لكن الأهم أن نطرح هذا التساؤل الاستراتيجي:هل من المنطقي أن نفترض استمرار صناعة الاستشارات بهذا الحجم أصلًا؟إذا كانت الكيانات الكبرى لا تزال تعتمد كليًا على الاستشاريين في كل قرار محوري، فما الذي تغير إذن في بنيتها أو وعيها أو أدواتها؟


المطلوب: بناء قدرات، لا شراء حلول

ما نحتاجه اليوم ليس "تقليل الإنفاق على الاستشارات" فقط، بل التحول من عقلية الشراء إلى عقلية البناء.بناء الكفاءات المؤسسية، وتأسيس وحدات تفكير استراتيجي داخلية، وربطها ببرامج تطوير حقيقية، هي الركائز المطلوبة لضمان استدامة التغيير.


خاتمه

صناعة الاستشارات ليست عدوًا، لكنها لا يجب أن تكون مظلة دائمة تُستخدم لتجنب المساءلة أو تأجيل اتخاذ القرار.إن التحول الحقيقي يبدأ عندما نكف عن النظر إلى الاستشاري كمنقذ خارجي، ونبدأ في تنمية "المستشار الداخلي" داخل كل مؤسسة.

Comments


bottom of page