top of page

مراكز تفكير إقليمية لتنمية الفرص من الداخل: نموذج غير ربحي متوائم مع رؤية 2030



مقدمة

في خضم السعي نحو التنويع الاقتصادي وتحقيق مستهدفات رؤية 2030، تواجه المملكة فرصة استراتيجية: تحويل الإمكانات المحلية إلى فرص استثمارية من خلال تمكين المجتمعات من الداخل. يقترح هذا المقال نموذجًا مبتكرًا يتمثل في إنشاء مراكز تفكير غير ربحية تحت مظلة هيئات تطوير المناطق، بالتعاون مع الجامعات المحلية، بهدف تنقيب السمات المحلية وتحويلها إلى فرص اقتصادية وثقافية عبر إشراك المجتمع، وخفض التكاليف، وربط الهُوية بالمستقبل.


لماذا تنقيب السمات المحلية؟

لكل منطقة في المملكة خصائص فريدة، تشمل:

  • موارد طبيعية (أرض، طقس، بحر، تضاريس).

  • تراث مادي ولا مادي.

  • مهارات يدوية أو إنتاج محلي.

  • قصص شعبية وتقاليد اجتماعية متجذرة.

  • طاقات بشرية عاطلة لكنها قابلة للتوظيف.

غالبًا ما تكون هذه السمات غير مرئية في خطط الاستثمار التقليدية، إما بسبب ضعف التوثيق أو غياب الجهد الميداني.


ما هو دور مركز التفكير الإقليمي؟

نموذج عملي مبني على ثلاث وظائف رئيسية:

  1. تنقيب السمات

    • تحليل البيانات الجغرافية والاجتماعية.

    • استقصاء القصص والتراث من المجتمع.

    • تتبع المهارات والتقاليد الإنتاجية.


  2. صياغة الفرص الاستثمارية والتنموية

    • ترجمة السمات إلى فرص في الصناعة، السياحة، الطاقة، التعليم.

    • اقتراح تجمعات متخصصة (clusters).

    • الربط بالخطط الوطنية والقطاعات الواعدة.


  3. تمكين المجتمع المحلي

    • إنشاء منصات حوار ومشاركة.

    • تنظيم مسابقات لطلبة الجامعات والمدارس.

    • إشراك المتقاعدين كمرجعيات معرفية وخبرات تنفيذية.


لماذا بالتعاون مع الجامعة المحلية؟

إدماج الجامعة المحلية كمقر تشغيلي وفكري للمركز له عدة مزايا:

  • خفض التكاليف الإدارية على هيئة التطوير.

  • إتاحة الوصول إلى الكفاءات الأكاديمية والطلاب.

  • دعم البحث الميداني والتدريب العملي.

  • فتح قنوات تعاون مع كليات مثل الاقتصاد، السياحة، الفنون، الجغرافيا، الهندسة.


المتقاعدون: مورد معرفي غير مستغل

في كل منطقة سعودية يوجد مئات المتقاعدين من:

  • التعليم،

  • الأمن،

  • الزراعة،

  • الصناعة،

  • البلديات.

يمكن لهؤلاء أن يشكّلوا نواة خبرة محلية داخل المركز، من خلال:

  • توثيق القصص والممارسات.

  • تحليل التحولات السابقة في المنطقة.

  • تقديم مقترحات واقعية مبنية على التجربة.


بوابة للتراث: من القصة إلى الميزة

مراكز التفكير يمكن أن تعمل كبوابة لجمع القصص الشعبية والأساطير المحلية وتحويلها إلى:

  • منتجات سياحية (مهرجانات، متاحف، رحلات سردية).

  • هوية بصرية للمنطقة (علامة تجارية محلية).

  • أفكار ريادية قابلة للتنفيذ.

الميزة التنافسية النسبية لا تُبنى فقط على الجغرافيا، بل على الرواية.

أمثلة عالمية معيارية

  • 🇮🇹 Slow Food / Slow Cities – التراث كمنصة اقتصادية.

  • 🇸🇪 الابتكار المكاني وربط الجامعات بالصناعة الريفية.

  • 🇬🇧 Community Wealth Building – تمكين المجتمعات اقتصاديًا من الداخل.

  • 🇯🇵 One Village One Product – كل قرية قصة اقتصادية فريدة.


مواءمة مع رؤية المملكة 2030

يتماشى هذا النموذج مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، من خلال:

  • تعزيز التنمية المتوازنة بين المناطق.

  • رفع مساهمة المحتوى المحلي في الاقتصاد.

  • تمكين المجتمعات المحلية وتحويلها إلى منتجة للفرص.

  • دعم القطاع غير الربحي عبر مراكز معرفية مستدامة.

  • تحفيز الاستثمار بناءً على المزايا النسبية لكل منطقة.

  • نقل المعرفة وتوطين التحليل الاقتصادي والمجتمعي.

كما يفتح المجال لخلق شراكات بين القطاع العام، الجامعات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني.


هل هذه الفكرة قابلة للنجاح في السياق السعودي؟

الإجابة باختصار: نعم، وبدرجة عالية من الواقعية، وذلك لعدة أسباب:

  1. الهيكل الإداري موجود – كل منطقة لديها هيئة تطوير.

  2. الجامعات المحلية جاهزة – ومهيأة للعمل البحثي والتطبيقي.

  3. البيئة التشريعية والتنموية مواتية – عبر رؤية 2030.

  4. وعي المجتمع في تصاعد – والرغبة في المشاركة حقيقية.

  5. الكلفة منخفضة نسبيًا – بفضل الطبيعة غير الربحية للمبادرة.

  6. السوابق الدولية ناجحة – والنموذج يمكن تكييفه محليًا.

البيئة جاهزة، الموارد موجودة، الحاجة واضحة، والفكرة منسجمة مع التوجه الوطني.

خلاصة: التحول يبدأ من الداخل

هذا النموذج لا يهدف فقط إلى خلق فرص استثمارية، بل إلى:

  • إعادة اكتشاف الذات المحلية،

  • ترسيخ فخر السكان بأرضهم وهويتهم،

  • وخلق شراكة مستدامة بين المواطن والدولة.

إنها دعوة لأن نرى في المكان فكرة، وفي القصة مشروعًا، وفي المتقاعد خبيرًا، وفي الجامعة حاضنةً لمستقبل منطقتنا.


Commentaires


bottom of page