من قال إن الفيل لا يرقص؟
- Khalid Almariee
- May 22
- 2 min read

تأملات في الإدارة بلا تخصص
في عالم تغلب عليه القوالب الجامدة والتوقعات المسبقة، كثيرًا ما يُفترض أن من يقود مشروعًا تقنيًا يجب أن يكون تقنيًا، وأن من يدير مؤسسة صناعية لا بد أن يكون مهندسًا، وأن من يتصدى لتحديات معقدة لا يحق له أن يأتي من خارج "الدائرة المهنية". لكن التاريخ أثبت عكس ذلك مرارًا.
خذوا مثلًا واضحًا: لويس غيرستنر (Louis V. Gerstner Jr.)، رجل لا علاقة له بعالم الحواسيب، لم يكن مبرمجًا ولا مهندس نظم. جاء من خلفية في الاستشارات الإدارية والخدمات المالية، ومع ذلك، قاد شركة IBM في أصعب مراحلها في التسعينات، حين كانت تتهاوى أمام المنافسين.
لم ينشغل غيرستنر بالخوادم والمعالجات، بل ركز على شيء واحد: رؤية جديدة. أعاد تعريف هوية IBM، نقلها من مجرد شركة أجهزة إلى شركة حلول وخدمات، فبدأت العملاقة المتثاقلة تستعيد قوتها. وبعد سنوات، دون تجربته في كتاب أسماه:Who Says Elephants Can’t Dance? في إشارة إلى أن حتى الكيانات الثقيلة البيروقراطية قادرة على التغيير… إذا وجدت من يقودها برؤية مختلفة.
التخصص: ضمان نجاح أم قيد معرفي؟
نميل أحيانًا إلى ربط التخصص بالجدارة. لكن التخصص وحده لا يصنع القائد. بل قد يكون أحيانًا قيدًا ذهنيًا يمنع رؤية الصورة الكاملة. مدير المشروع لا يُطلب منه أن يُتقن تفاصيل كل جانب فني، بل أن يُحسن قيادة الفريق، التنسيق بين الأطراف، اتخاذ القرار، وإدارة المتغيرات.
وفي المقابل، من يأتي من خارج التخصص، قد يطرح أسئلة لم يجرؤ أهل المجال على طرحها، وقد يرى ما لا يُرى من داخل الصندوق المهني.
PMI: ما لا يشترطه أهم مما يشترطه
معهد إدارة المشاريع (PMI) لا يشترط أن يكون مدير المشروع متخصصًا تقنيًا في صلب المشروع. بل يُركّز على ثلاثية جوهرية:
مهارات القيادة والتواصل،
فهم الأعمال،
إلمام كافٍ بمجال المشروع (دون التخصص العميق).
الهدف أن يكون مدير المشروع حلقة الوصل لا أحد أطراف النزاع الفني. أن يرى الغابة لا الشجرة. أن يُدير الوقت والتكلفة والنطاق، لا أن يراجع كل مخطط ومخطوطة.
متى يُفيد التخصص؟ ومتى يُربك؟
في بعض المشاريع الحساسة، يكون وجود مدير فني متمرس ضرورة. لكن في مشاريع كثيرة، يتحول المدير المتخصص إلى مشرف تقني مهووس بالتفاصيل، فيتأخر التنفيذ، وتضيع الأولويات، ويتحول المشروع إلى متاهة مراجعات وتعديلات.
الفرق الجوهري أن المدير القائد يعطي الثقة للفريق الفني، بينما المدير الفني يسحبها تدريجيًا بحجة "الحرص".
الإداري الغريب... هو المختلف الضروري
حين يأتي المدير من خارج المجال، قد يحمل معه شيئًا غائبًا: الحياد.لا ولاء لحلول سابقة، ولا انحياز لتقنية مألوفة، ولا عبء التجارب الماضية. فقط عقل مفتوح، يُراقب، يسأل، يربط بين المتضادين، ويتخذ القرار متى حان وقته.
هذه النوعية من المدراء، لا تُمجّد المعرفة بقدر ما تُجيد فن القيادة. وهذا هو الفارق.
توصية : لا تبحثوا عن "خبير"، بل عن "قائد"
عند اختيار مدير مشروع، لا تجعلوا التخصص الفني هو معياركم الوحيد. ابحثوا عمّن:
يفهم معنى الالتزام دون الحاجة إلى التدخل،
يُدير الفريق لا أن يُنافسه على تفاصيله،
يرى المشروع كمشهد كامل، لا كلقطة فنية واحدة.
فقد لا يكون الحل في المهندس الأقدم، بل في القائد الأهدأ.وقد لا يكون السر في من يعرف أكثر، بل في من يسأل أفضل.
وأحيانًا، كل ما يحتاجه المشروع هو شخص يصدق أن الفيل يمكنه أن يرقص… ثم يُثبت ذلك.
Comments