وهم تغيير العالم وصناعة الذات: حين يتحول الطموح إلى عبء جماعي
- Khalid Almariee
- May 22
- 2 min read

في زمن تتكرر فيه العبارات من نوع: "كن مؤثراً"، "اصنع ذاتك"، "اصنع الفرق"، يبدو أننا دخلنا مرحلة جديدة من الأوهام الجمعية: وهم "تغيير العالم"، ووهم "صناعة الذات"، وكأن القيمة الإنسانية أصبحت مرهونة بما تحققه من شهرة أو أرقام أو متابعين.
رالف دوبلي، في كتابه فن الحياة الجيدة، يطرح فكرة جذرية: أغلب ما نتصوره "أثراً كبيراً" هو في الحقيقة مبالغة أو وهم مريح. واللافت أن هذا الوهم لم يتوقف عند حدود "النية الطيبة"، بل تحوّل إلى صناعة كاملة لها مطابعها، دوراتها التدريبية، شخصياتها الملهمة، بل وتصنيفاتها أيضاً.
خطوط إنتاج للذات الوهمية
لم تعد كتب "صناعة الذات" مشاريع فكرية فردية، بل تحوّلت إلى خطوط إنتاج تُضخ بلا انقطاع، تصنع صورة موحّدة للنجاح، وتُسَوِّق لأنماط متكررة من الإنجاز، وكأن الإنسان مشروع قابل للتنميط.
في المقابل، تُنتج هذه الثقافة ما يلي:
مدربين بلا محتوى حقيقي، يكررون نفس القصص والشعارات.
جماهير متعطشة للوهم، تبحث عن وصفات سريعة لحياة مُرضية.
سقف توقعات زائف، يجعل الإنسان يطارد "إنجازات لا تنتهي"، ثم يشعر بالإحباط لأنه لم يصل.
أثر اجتماعي مزدوج: التعالي والترقب
ثقافة "الذات الخارقة" و"النجاح المطلق" أفرزت ما يمكن تسميته بـ:
التعالي غير المبرر لدى من يظن أنه حقق شيئاً، فقط لأنه كتب كتاباً ذاتياً أو ألقى محاضرة.
الترقب غير المنطقي لدى العامة، الذين ينتظرون "لحظة التحول الكبرى" في حياتهم، كما وُعدوا.
ووسط هذا المناخ، ظهرت تصنيفات جديدة: "الناجح"، "المكافح"، "الملهم"، في حين يُهمّش من ينجز بصمت، أو يرفض الدخول في لعبة التصنيف أصلاً.
المجتمعات المهنية... ومشكلة عدم الرضا
في البيئات المهنية تحديداً، تَسبّب هذا الخطاب في حالة من عدم الرضى المزمن:
موظف ناجح لا يشعر بالكفاية لأنه لم يصبح "رائد أعمال".
مهندس محترف يشعر بالنقص لأنه لا يظهر على المسرح.
معلمة ملهمة تظن أنها بلا أثر لأنها لا تملك حساباً مؤثراً.
هذا الهوس بالصورة الخارجية جعل الكفاءة الحقيقية باهتة أمام ضجيج "الذات البصرية" التي تُروَّج، لا تُبنَى.
العودة إلى الأصل: أثرك ليس دائماً ما يُرى
دعوة رالف دوبلي تتضح أكثر اليوم: ليس المطلوب أن تكون عظيماً، بل أن تكون صادقاً.
عِش حياة متزنة.
طوّر من حولك بهدوء.
ساعد من تستطيع دون إعلان.
لا تترك نفسك فريسة لوهم التأثير الكبير أو النجاح الذي لا يأتي.
ختاماً: التواضع هو بداية الحياة الجيدة
لسنا ضد الطموح، لكننا ضد الطموح المعلّب الذي يُباع ويُشترى.لسنا ضد التأثير، لكننا ضد التأثير المسرحي الذي يخدع الناس ويستهلك طاقاتهم.
فن الحياة الجيدة يبدأ عندما تترك كل ذلك، وتزرع شجرتك الصغيرة في هدوء، دون الحاجة إلى جمهور، ولا إلى تصفيق.
Comments