top of page

مدرسة كوبنهاغن والأمن المجتمعي: كيف تهددنا الخوارزميات لا الجيوش؟


تصنيف مدرسة كوبنهاغن للقطاعات الأمنية
تصنيف مدرسة كوبنهاغن للقطاعات الأمنية

في زمنٍ لم تعد فيه الحرب تعني دبابة، ولا الأمن يعني حدودًا مؤمنه، أعادت مدرسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية طرح سؤال مختلف:

ما الذي يجعل شيئًا ما "تهديدًا أمنيًا"؟

هذه المدرسة التي ظهرت في أواخر القرن العشرين، انتقلت بالأمن من كونه مسألة مادية إلى كونه خطابًا يصنع التهديدات.لكن الأهم من ذلك، أنها أطلقت مفهومًا عميقًا: الأمن المجتمعي - أي القدرة على حماية الهوية والثقافة والنسيج الاجتماعي من التفكك، حتى في غياب الجيوش.


1. من الجيوش إلى الخوارزميات

لم نعد نخشى الهجوم من حدودنا، بل من هواتفنا.وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُفترض أنها أدوات ترفيه وتواصل، أصبحت أقوى أدوات التهديد المجتمعي:


  • تنميط الاستهلاك والفكر: عبر خوارزميات تراقبنا، وتغذينا بما نريد أن نسمعه فقط، أصبحنا محاطين بفقاعات فكرية تضعف قدرتنا على الحوار أو تفهم الآخر.

  • تجريد الهوية: الخوارزميات لا تهتم بقيمك ولا تراثك، بل بما يمكن بيعه لك. بالتالي، يتم تسويق أنماط ثقافية جديدة تغزو الوعي الجمعي وتعيد تعريف ما هو "عادي" و"مقبول".

  • نشر الشائعات والانقسام:في كل أزمة مجتمعية، تنتشر الأخبار الكاذبة بسرعة تفوق سرعة المؤسسات. هذه القدرة على زعزعة الثقة العامة هي تهديد صامت لكنه بالغ الخطورة.


2. مدرسة كوبنهاغن تفسر هذا

عندما يتحدث السياسي أو الإعلام أو مؤسسة ما عن "خطر على المجتمع"، فإنها - حسب مدرسة كوبنهاغن - تمارس فعل الأمننة Securitization . لكن في عصر ما بعد الحداثة، هذا الدور تقوم به الخوارزميات نفسها:هي لا تخبرنا بشكل مباشر أننا في خطر، لكنها تخلق بيئة من التوتر، المقارنة، القلق، والتضليل، تجعل المجتمع يعيش في وضع دفاعي دائم، حتى بدون إدراكه.


3. الذكاء الاصطناعي كتهديد قادم للأمن المجتمعي

الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة، بل بيئة. ومع تطوره السريع، تظهر تحديات حقيقية:

  • نزع المعنى من الحقيقة: أدوات التزييف العميق (deepfakes) بدأت تجعل من المستحيل الوثوق بما نراه أو نسمعه.

  • تحيّز معرفي ممنهج: إذا بُني الذكاء الاصطناعي على بيانات مشوّهة، فسيُنتج قرارات ومقترحات تغذي الانقسامات المجتمعية بدل معالجتها.

  • احتكار تشكيل الوعي: إذا أصبحت الخوارزميات قادرة على تصميم المحتوى الذي نراه، فإنها تتحكم - دون أن نشعر - في تصورنا عن الذات والعالم.


4. هل نحن أمام أمننة رقمية جديدة؟

الحديث عن تهديد المجتمع من خلال التكنولوجيا ليس خيالًا. إنه واقع نعيشه.ومدرسة كوبنهاغن تمنحنا أداة تحليلية لفهمه:

التهديد ليس فيما يحدث، بل في كيف نفسره ونستجيب له.

في هذه الحالة، نحن بحاجة إلى:

  • خطاب مؤسسي يضع الأمن المجتمعي الرقمي ضمن أولويات الدولة والمجتمع.

  • توعية جماهيرية بكيفية عمل الخوارزميات وتأثيرها على خياراتنا اليومية.

  • تشريعات تحفظ الهويات الثقافية وتمنع الاستقطاب الرقمي.


5. الختام: نحن بحاجة لمفهوم أمن جديد

لم يعد الأمن حماية للحدود فقط، بل حماية للعقول.نحن في مواجهة تهديد ناعم، يتسلل عبر "المحتوى المقترح" و"المواضيع الرائجة" و"المؤثرين"، ويعيد تشكيل المجتمع من الداخل.

مدرسة كوبنهاغن لم تكن تنبؤًا، لكنها قدّمت عدسة يمكن أن نستخدمها اليوم لنفهم كيف يتحول اللاشيء إلى تهديد، وكيف يمكننا أن نفكر في الأمن كفعل نقدي مستمر، لا كقرار فوقي.


Comments


bottom of page