هل يمكن للجوف أن تصبح مركزًا وطنيًا لصناعة الأخشاب وألواح MDF؟
- Khalid Almariee
- Sep 16
- 3 min read

تُعد منطقة الجوف واحدة من أغنى مناطق المملكة بالموارد الزراعية، فهي تضم ملايين أشجار النخيل والزيتون، ومساحات واسعة من الحيازات الزراعية التي تُركت مهجورة أو قليلة الاستغلال. ومع هذا الغنى الطبيعي، ما زالت المملكة تستورد منتجات خشبية وألواحًا (MDF/Plywood) تتجاوز قيمتها 10 مليارات ريال سنويًا، معظمها من أسواق بعيدة مثل الصين وماليزيا وروسيا. هذه المفارقة تفتح الباب أمام سؤال استراتيجي:
هل يمكن للجوف أن تصبح مركزًا وطنيًا للأخشاب والصناعات الخضراء؟
المشكلة والفرصة
اليوم، يتم التعامل مع المخلفات الزراعية في الجوف بطرق بدائية، أهمها الحرق في الحقول أو التخلص منها بشكل غير اقتصادي. هذا يشمل:
مخلفات النخيل .
بقايا تقليم أشجار الزيتون.
هذه المخلفات ليست مجرد عبء بيئي، بل مورد خام يمكن أن يتحول إلى قيمة مضافة. في المقابل، هناك فجوة ضخمة في السوق المحلي والإقليمي:
واردات السعودية من الأخشاب وألواح MDF/Plywood تقدر بـ 2.6 مليار دولار سنويًا (≈ 10 مليار ريال).
أبرز المنتجات المطلوبة: الألواح للأثاث والأبواب والديكور، والأخشاب اللينة للبناء.
معظم دول الخليج ودول الجوار تعتمد بشكل كامل على الاستيراد.
الفرصة إذن واضحة: بناء صناعة محلية وإقليمية تغطي 15–20% من السوق وتوفر قاعدة للتصدير.
الخطوة الأولى: الزراعة والتجميع
أي صناعة تعتمد على الخشب تحتاج أولًا إلى تأمين استدامة المواد الخام. لذا، تبدأ المبادرة من الأرض:
برنامج زراعي تجريبي على مساحات محدودة (X هكتار) لزراعة أشجار خشبية سريعة النمو:
بولونيا: دورة نمو 5–7 سنوات، إنتاجية 30–40 م³/هكتار/سنة.
أوكالبتوس: دورة نمو 7–10 سنوات.
أكاسيا: دورة 10–12 سنة، قليلة استهلاك المياه.
تنظيم جمع المخلفات الزراعية:
سعف النخيل.
بقايا تقليم الزيتون.
هذه المرحلة تؤكد استدامة تدفق المواد الخام السنوي والدوري، قبل الانطلاق الصناعي واسع النطاق.
سلسلة الإمداد المقترحة
التصور يعتمد على ربط المزارع مباشرة بالتصنيع:
المزارع والملاك: يوردون المخلفات أو يزرعون أشجار ذات دورة حياة قصيرة .
محطات التجميع: حيث يتم فرم وتجفيف وتحويل الأخشاب إلى Chips جاهزة للتصنيع.
المصنع (واحة مدن – الجوف):
خط إنتاج MDF/Plywood.
خط لإنتاج الألواح المغلّفة (Laminated Panels).
خط لإنتاج الوقود الحيوي (Bio‑pellets).
المنتجات النهائية: تغطي السوق المحلي، مع إمكانية تصدير الوقود الحيوي والأخشاب المعالجة إلى الخليج وأوروبا.
التجمع الصناعي المصغّر (Cluster)
رؤية المشروع تتجاوز مصنعًا واحدًا إلى بناء تجمع صناعي مصغر في الجوف يشمل:
مصنع MDF/Plywood.
وحدة لإنتاج Bio‑pellets كوقود بديل للتصدير.
وحدة لإنتاج راتنجات UF/MF بالتعاون مع سابك لتأمين إمدادات الميلامين والفورمالدهيد.
مركز أبحاث AgriTech لتطوير زراعة الأشجار باستخدام المياه الثلاثية وتقنيات الري الذكي.
الأثر المتوقع
اقتصاديًا
خفض الواردات بما يصل إلى 10–20% (≈ 2 مليار ريال).
خلق وظائف جديدة في الزراعة، النقل، والصناعة.
تمكين الجوف كمركز امتياز وطني في صناعة الأخشاب.
بيئيًا
إعادة تدوير آلاف الأطنان من المخلفات الزراعية بدلًا من حرقها.
تحسين الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
استخدام المياه المعالجة ثلاثيًا بدل المياه الجوفية ( مشاريع الصرف الصحي الجديدة).
إنتاج وقود حيوي نظيف للتصدير.
نظافة المزارع من المخلفات للقضاء على الآفات ومخاطر الحريق.
اجتماعيًا
إحياء الحيازات الزراعية المهجورة
جذب الشباب إلى مشاريع زراعية صناعية مربحة.
بناء هوية اقتصادية جديدة للجوف.
التحديات والحلول
المياه: الخطر الأكبر، لكن يمكن معالجته بالري بالتنقيط واستخدام المياه المعالجة الثلاثية.
المنافسة الصينية: الحل ليس في منافسة السعر بل في تقديم قيمة مضافة عبر الألواح المغلفة والمنتجات النهائية.
الحيازات الزراعية المتوقفة عن الإنتاج: يمكن معالجتها عبر جمعيات تعاونية أو شركات مساهمة مناطقية لإعادة دمجها في منظومة التوريد.
الشركاء الرئيسيون
وزارة البيئة والمياه والزراعة : تقود البرنامج الزراعي وتوفير المياه الثلاثية.
وزارة الصناعة والثروة المعدنية: قيادة الاستراتيجية الصناعية ودعم المصنع.
هيئة المدن الصناعية (مدن): تخصيص أرض وحاضنة صناعية في واحة الجوف.
صندوق التنمية الصناعية السعودي (SIDF): تمويل دراسة الجدوى والبنية الصناعية.
صندوق التنمية الزراعية (ADF): دعم زراعة الأشجار وتمويل التحول الزراعي.
المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الجوف: قيادة المبادرة إقليميًا والتنسيق بين الجهات.
برامج الابتكار (KAUST, KACST, SDAIA): دعم الأبحاث الزراعية والصناعية وحلول AgriTech.
لماذا الجوف؟
موقع استراتيجي بين الداخل السعودي ومنافذ التسويق العربي المجاور .
موارد طبيعية وزراعية غنية ومتنوعة.
قاعدة شبابية تبحث عن فرص اقتصادية جديدة.
مؤهلة لتكون مركز امتياز وطني للأخشاب والصناعات الخضراء.
الخلاصة
الفكرة ليست مصنعًا وحسب، بل مشروعًا متكاملًا يعيد صياغة هوية الجوف الاقتصادية عبر التكامل الزراعي الصناعي. السوق ضخم، الموارد متاحة، والأثر اقتصادي وبيئي واجتماعي متداخل. لكن هذه الفكرة تحتاج إلى دراسة جدوى متكاملة تقودها شراكة بين القطاعين العام والخاص والقطاع البحثي.
السؤال يبقى مفتوحًا: هل نغتنم الفرصة لنضع الجوف على خارطة الصناعات الخضراء ونحوّلها إلى مركز وطني للأخشاب؟ ماهي التحديات؟
المراجع
الهيئة العامة للإحصاء (GASTAT)، بيانات التجارة الخارجية 2022.
المركز التجاري الدولي (ITC)، إحصاءات الواردات السعودية 2022.
تقارير وزارة البيئة والمياه والزراعة حول أعداد النخيل وإنتاج الزيتون، 2021–2022.
